الثورات العربية شهدت عموما اعتمادا كبيرا من قبل الأنظمة القمعية أناس من نوع هذا الرجل. جيوشٌ غير نظامية من البلطجية تثير الفزع والخوف في نفوس المتظاهرين، وتحدث إصابات جسدية بين صفوفهم تفضي في ظروف كثيرة إلى الموت.

محمد خليفة ذو الخمسين عاما أحد من يطلق عليهم أهالي منطقة سرابيوم بالإسماعلية (شرقي مصر) صفة بلطجي، بسبب دوره في إثارة المشاكل في المنطقة وافتعال الفتن والأزمات.

علاقات وثيقة مع الشرطة

 

الثورات العربية شهدت عموما اعتمادا كبيرا من قبل الأنظمة القمعية أناس من نوع هذا الرجل. جيوشٌ غير نظامية من البلطجية تثير الفزع والخوف في نفوس المتظاهرين، وتحدث إصابات جسدية بين صفوفهم تفضي في ظروف كثيرة إلى الموت.

محمد خليفة ذو الخمسين عاما أحد من يطلق عليهم أهالي منطقة سرابيوم بالإسماعلية (شرقي مصر) صفة بلطجي، بسبب دوره في إثارة المشاكل في المنطقة وافتعال الفتن والأزمات.

علاقات وثيقة مع الشرطة

 

بين البلطجية وجهاز الشرطة في مصر علاقات وثيقة كما يرى كثيرون. فأحداث 25 يناير وما تلاها أظهرت أن البلطجية يعملون نادرا وحدهم أو بمعزل عن خطة تنسقأماكن وأوقات ظهورهم. ورغم أن محمد خليفة لم يشارك كما يقول في الهجوم على متظاهرين أثناء الثورة، إلا أنه يحتفظ كغيره من البلطجية بعلاقات جيدة مع جهاز الشرطة.

[ibimage==761==Small_Image==none==self==null]

محمد خليفة

عمله كمحصل لرسوم وقوف سيارات الميكروباص في مواقف بالاسماعيلية (محصل الكارتة) وفر له كما يروي صداقات مع مسؤولين في جهاز المدينة، كانوا يغضون الطرف عن الاتاوات التي كان يفرضها على السائقين نظير الحصول على جزء منها.

هذا العمل جعله أيضا يقترب من رئيس مباحث منطقة فايد (شرق) على حد زعمه. “من يسرق مال الحكومة ليس عليه ملامة” هكذا قال لخليفة أحد مسؤولي جهاز المدينة كما يروي.

بعد ذلك قضى خليفة ستة أشهر في الحبس في قضية تسهيل دعارة يقول عنها إنها “ملفقة” وإنها جاءت بعد خلافه مع رئيس مباحث فايد. جرى القبض عليه في بيته وهو بصحبة فتاة يقول عنها إنها كانت تعمل كخادمة لديه.

يوضح خليفة أن علاقته بالشرطة كانت قائمة على “الندية والاحترام”،  وأن بعض العاملين في الشرطة كانوا يسعون لصداقته حتى يسهل لهم الحصول على النساء. بل إنه في إحدى المرات استعان بأمينيّ شرطة وآخر سائق شرطة وقاموا بنصب كمين وهمي لفتاة كان يكن لها عداءً شخصيا بسبب رفضها ان تسلم نفسها له.

علاقة خليفة بالشرطة كانت تسمح له بارتكاب أعمال كثيرة غير قانونية دون أن يعاقب بفضل ثغرات في القانون. لذلك يصر حاليا  وعقب الثورة على معاملة رجال الشرطة الذين يعرفهم باحترام حتى يثبت لهم “أصله ومعدنه”.

 

الطفولة

 

ولد خليفة فى المنصورة فى ستينات القرن الماضي من أب يعمل فراشا بالتربية والتعليم وأم تتشابه كليا مع الست أمينه فى افلام الثلاثية لنجيب محفوظ كما يصفها هو شخصيا، قبل أن يعود والده لموطنه الأصلي بالاسماعيلية منذ أكثر من اربعين عاما.

يقول خليفة إن عائلته بأكملها لم تعتد على المشاكل والخلافات، بل انهم كانوا لا يطيقون مشاهد الضرب فى الافلام السينمائية، واصفا نفسه ” بالحالة الشاذة” والتي تكونت نتيجة أب لم يتابعه او يرعاه الرعاية السليمة فى مرحلة صغره، ولم يتدخل مطلقا لحمايته أو الوقوف في صفه في نزعاته مع أقرانه وهو طفل.

[ibimage==805==Small_Image==none==self==null]

ذكريات لطفولة صعبة

ويتذكر خليفة أكبر صدمة في حياته والتي حددت إلى حد كبير مصيره عندما كان عمره تسعة أعوام. يومها ذهب والده إلى قسم الشرطة واتهمه كذبا بايذائه بالسكين دون ان يفعل أي شيء، كما يقول. والنتيجة أن  ضابط الشرطة والعساكر لم يراعوا سنه الصغير آنذاك وضربوه ضربا مبرحا كان بداية دخوله فى سكة الجريمة الحقيقية.

ظن خليفة أن طريق البلطجة سيحرره من قيود الظلم والهوان وتجعله يبسط نفوذه وسيطرته على من حوله. ومع ذلك يؤكد انه لم يبحث طوال حياته عن الجريمة او البلطجة بل انها التي كانت تأتى اليه. دليله انه كان يعمل فى مهن مشروعة طوال حياته، فقد سعى للعمل في العديد من المطاعم وغيرها من المهن لكن أصحاب العمل كان يطردونه باستمرار.

 

تحولات الثورة

 

ماذا فعلت الثورة بخليفة؟ يقول إنه كان من “أشد مناصري الثورة” عندما بدأت، لكنه تخلى عن ذلك بعد الأحوال السيئة التي تسببت فيها من وجهة نظره.

خليفة يحمل مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتردية الحالية للتيار الإسلامي ويصف السلفيين ومعهم كل منتسبي التيار الإسلامي بالمجرمين، “يرتدون الاقنعة الدينية للضحك على البسطاء”.

لا يفصح خليفة عن حججه لهذه النظرة السلبية للاسلاميين، لكن الأقرب أن الأخيرين يمثلون القوى الجديدة في الشارع، والذين أصبحوا يعملون في الشارع جهارا نهارا بدون الحاجة إلى أي مواربات كما كان الحال عليه في ظل حكم النظام السابق، ولعل خليفة يجد نفسه في هذه الظروف في منافسة مع هذه القوى من أجل بسط السيطرة على الشارع.

يروي خليفة انه رفض تحطيم جهاز كمبيوتر يخص حركة الاخوان المسلمين أثناء الانتخابات البرلمانية في 2005 بناء على طلب من رئيس مباحث فايد.

لكنه أكد انه لن يتورع عن اتلاف أجهزة الإسلاميين في الانتخابات القادمة كرد فعل على وقف حاله وحال الملايين من المصريين. فالاسلاميون  من وجهة نظره “سبب الانفلات الأمني الذى تعيشه مصر حاليا”، وحتى لو كان الحزب الوطني أسوأ منهم إلا أنه كان يأمن على أسرته قبل الثورة.

قبل الثورة كان يمكنه أن يذهب لأي مسؤول ويجد الحل حتى ولو بعد معاناة، أما الآن “فلابد أن تكون سلفيا أو إخوانيا حتى تستطيع أن تحل مشاكلك، فالبلد فى طريقها لأن تكون عزبة خاصة بهم” على حد تعبيره.

 

مواجهة مع السلفيين

 

خليفة بعد أن تقدم في العمر وتزوج منذ سبع سنوات أصبح يميل إلى ما أسماه “اللقمة الحلال”، لكن ذلك لا يمنع لجوءه إلى بعض الأساليب الملتوية.

الشهور الأخيرة شهدت بالفعل أولى المواجهات بينه وبين الإسلاميين، فهو يعترف بأنه من ضمن المتسببين فى أزمة اسطوانات الغاز التي تعاني منها قريته وأنه كان يحصل هو وثلاثة اخرين بينهم موظف بالتموين على مئة اسطوانة بطرق غير شرعية ثم يبيعوها بأسعار السوق السوداء.

تبريره لذلك أنه يريد تحسين مرتبه الشهري من عمله بمشروع المواقف الذي لا يزيد عن 350 جنيه (75 دولار أمريكي)، فكان يشترى أنبوبة الغاز بسعر 6 جنيه ويبيعها بـ 20 جنيه لمن لا يرغب في الوقوف في الطوابير.

وبعد أن ساهم بعض الشباب السلفيين فى حل الازمة بتعهدهم بالاستلام والتوزيع، انقطع رزق خليفة الذى يربح فقط من الازمات.  ورغم عرضه عليهم أن يتولى مسؤولية التوزيع في إحدى المناطق وان يعمل بشكل دائم إلا انهم رفضوا دون اسباب واضحة من وجهة نظره.

يعلم خليفة أن بعض الأهالي يرفض اشتراكه فى التوزيع خوفا من سمعته السيئة وضياع اسطواناتهم على يديه، الا انه اكد انه لو كان يبحث عن الطريق الحرام لقام بسرقة اسطوانتين فقط بسهولة من كل دفعة وبيعهم بسعر يدر عليه  500 جنيه (نحو 100 دولار)  يوميا، لكنه يبحث عن “لقمة حلال”!

اللقمة الحلال التي يتحدث عنها خليفة باتت اهم ما يسعى اليه بعد ان رزقه الله بأدهم وبرديس أولاده الصغار، كاشفا ان بعض الاشخاص لا يعرفهم عرضوا عليه مبلغ 500 جنيه يوميا مقابل  البلطجة فى ميدان الممر بالاسماعيلية اثناء تواجد الثوار في أي مظاهرة ولكنه رفض حتى يطعم اولاده وزوجته من عرق جبينه، مؤكدا أن عددا من أصدقائه القدامى من البلطجية قبلوا العرض وشاركوا فعلا.