قامت مجموعة من عائلات مدينة البيضاء الواقعة في الشمال الشرقي من ليبيا برفع مذكرة إلى النائب العام، يطالبون فيها بفتح تحقيق فيما قالوا إنها “مجزرة” ارتكبتها قوات الأمن التابعة لنظام القذافي في المدينة منتصف تسعينات القرن الماضي.

ويقول الأهالي إن ستة أشخاص راحوا ضحية هذه الحادثة التي وقعت في يوم الجمعة الموافق 19 من شهر نيسان (أبريل) عام 1996، فيما تم نقل الجرحى إلى سجن أبو سليم ليتم إعدامهم جماعياً ضمن 1200 سجين قتلوا في يوم 29 حزيران (يونيو) عام 1996.

قامت مجموعة من عائلات مدينة البيضاء الواقعة في الشمال الشرقي من ليبيا برفع مذكرة إلى النائب العام، يطالبون فيها بفتح تحقيق فيما قالوا إنها “مجزرة” ارتكبتها قوات الأمن التابعة لنظام القذافي في المدينة منتصف تسعينات القرن الماضي.

ويقول الأهالي إن ستة أشخاص راحوا ضحية هذه الحادثة التي وقعت في يوم الجمعة الموافق 19 من شهر نيسان (أبريل) عام 1996، فيما تم نقل الجرحى إلى سجن أبو سليم ليتم إعدامهم جماعياً ضمن 1200 سجين قتلوا في يوم 29 حزيران (يونيو) عام 1996.

وبحسب شهادات، فإن حملة اعتقالات جرت بعد الحادثة وطاولت عددا من أقرباء الضحايا، بتهمة الانضمام إلى تنظيم إسلامي يهدف للإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي.

ويروي فرج الواحدي الذي كان ابنه عُمر واحداً من الضحايا، أن مدينة البيضاء استيقظت صبيحة يوم الحادثة التي لم يسمع أغلب الليبيين بها على الإطلاق، على حصار خانق وأصوات رصاص وجنازير دبابات. ويقول “ظننا للوهلة الأولى بأن مدينتنا قد احتُلت من قبل قوى خارجية، ليتضح أن من يهاجمنا هي قوات الأمن”.

ويضيف أن القوة التي حاصرت المدينة كانت مؤلفة من أفراد تابعين لكل من جهاز الأمن الداخلي، والشرطة العسكرية، والأمن الخارجي، والاستخبارات، ومديرية الأمن بالجبل الأخضر، وكتيبة حسين الجويفي الأمنية المعروفة بكتيبة الجارح.

وبحسب تصريحات الواحدي لموقع “مراسلون”، فإن الحصار استمر لمدة 24 ساعة، مُنع خلالها السكان من التجول في الشوارع وأٌجبروا على التزام بيوتهم حتى انسحبت القوات في اليوم التالي، ليتكشف انسحابهم عن جريمة ارتكبت في منطقة الشعبية رقم 600، وتحديداً في منزل صلاح الدرسي الذي سقط  بنيران المهاجمين.

ويؤكد أن قوات الأمن حاصرت عدد من الشباب المطلوبين داخل المنزل، وبدأت بإطلاق النار، دون إنذارهم أو إعطائهم فرصة لتسليم أنفسهم، وكان في المنزل مع المحتجزين طفلان، هما أخوا صلاح الدرسي وكان عمرهما 10 و 16 عاماً.

ويضيف أن المحتجزين داخل المنزل طلبوا من الأطفال أن يصرخوا بأعلى صوتهم لينتبه لهم رجال الأمن، وفعلاً أوقف المهاجمون النار وسمحوا للأطفال فقط بالخروج، ليستأنفوا بعدها قصف المنزل بمدفعية الدبابات من نوع (بي إم بي)، والأسلحة المضادة للطائرات، وقاذفات (الآر بي جي)، والقنابل اليدوية، وغيرها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حتى تم هدم البيت على رؤوس المحتجزين داخله.

نتج عن هذا القصف مقتل ستة أشخاص داخل المنزل، ونقلت جثامينهم إلى ثلاجة مستشفى المدينة ثم إلى مكان مجهول، فيما تم نقل ثلاثة جرحى إلى سجن أبوسليم. ولم يجد سكان الحي الذين وصلوا إلى المكان بعد انسحاب قوات الأمن في اليوم التالي إلا بعض الملابس التي  تخص الضحايا.

ويروي الواحدي أنه عندما علم بأن ابنه عُمر كان من ضمن المحاصرين في المنزل ذهب ومعه ابنه الأكبر إلى ثلاجة المستشفى ليتأكدوا من وجود الجثمان.

وأضاف “هناك لم يُسمح لنا بالدخول، إلا أننا تأكدنا بعد فترة من صحة الخبر، ما تسبب في إصابة ابني الاكبر بصدمة نفسية قوية، لا يزال يعاني من آثارها حتى الآن”.

في اليوم التالي من الحادثة عاد أفراد الأمن ليطوفوا المدينة ويعتقلوا أفراداً من أسر الضحايا، حيث اعتقلوا مبارك السباعي شقيق علي السباعي الذي قضى أيضا ضحية الهجوم. وكان مبارك للمفارقة يعمل في نفس الكتيبة الأمنية التي هاجمت المنزل، إلا أنه كان في مهمة عمل خارجية يوم الحادثة ولم يسمع بما حصل لأخيه إلا ساعة اعتقاله.

أودع مبارك السجن لأكثر من ثلاثة أشهر، بعدها تم إطلاق سراحه وفصله من العمل، وتعرض أكثر من مرة للتهديد بالقتل بحجة أنه شقيق “الزنديق” علي السباعي.

واعتقل أفراد الأمن أيضاً فيصل محمود لكونه شقيق القتيل عبد العزيز محمود. وسجن لمدة 52 يوماً في مدينة اجدابيا غربي بنغازي، ليطلق سراحه بعدها ويفصل من عمله.

ويروي محمد أبوعويشة وهو شقيق حمد أبوعويشة الذي قضى بالهجوم، أنه على مدى شهريّ مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من عام 1996 لاحظ الضحايا بأنهم مراقبون من قبل جهاز الأمن الداخلي، وكانوا يتوقعون ذلك لأنهم جميعاً منخرطون في تنظيم “الجماعة الليبية المقاتلة الإسلامي” المعارض.

وبعد مرور شهر على بدء مراقبة الأمن لهم تطور الوضع إلى حملة مداهمات كانت تستهدف منازلهم بعد منتصف الليل، حيث كان يتم تفتيش المنازل وترويع سكانها وجيرانهم، ومصادرة ممتلكاتهم من سيارات وغيرها، وأحياناً كان يتم القبض على الرجال من عائلات المطلوبين والزج بهم في السجون وتعريضهم لشتى أنواع الإهانة والتعذيب.

واستمر هذا الوضع حتى وقعت الحادثة، وبقي أهالي الضحايا طيلة السنين الماضية دون أن يتأكدوا من مقتل أبنائهم، باستثناء الجرحى الثلاثة الذين نقلوا إلى سجن أبو سليم حيث تسلمت عائلاتهم في عام 2009 بلاغات بمقتلهم داخل السجن، أما الستة الباقون فلا يُعرف مكان جثامينهم حتى هذه اللحظة.

يقول أبو عويشة إنه تأكد من خبر مقتل شقيقه بعد انتصار الثورة الليبية واقتحام مبنى الاستخبارات العسكرية، حيث عُثر على كشوفات في مكتب رئيسها عبد الله السنوسي، تحوي 180 اسماً للذين تمت تصفيتهم في مدن ليبية مختلفة على يد أجهزة الأمن مابين عامي 1994 و 2007، وكان من ضمنهم أسماء أبناء مدينة البيضاء الستة الذين استشهدوا في أحداث الشعبية رقم 600، دون أن يُذكر مكان دفنهم.

ولازالت هذه القضية قيد المطالبات بالتحقيق وأخذ الحقوق، ويقول أبوعويشة “نحن نعرف أسماء بعض المتورطين في هذه الجريمة، إلا أن استدعاءهم للتحقيق تمت عرقلته أكثر من مرة بسبب بعض التدخلات القبلية التي كانت تتم تحت تهديد السلاح لحماية أبناء القبائل الأقوى من سلطة القانون، ما دفع الأهالي للتوجه أخيراً للنائب العام”.

مطالبات رافعي المذكرة تنوعت بين معاقبة الجُناة ومحاكمتهم علانية وإقصاء كل من لديه منصب منهم من منصبه، وتركيز التحقيق حول معرفة أماكن دفن الجثث ليتمكنوا من إعادة دفن أبنائهم بطريقة لائقة، وبين المطالبة برد الاعتبار لأبنائهم عن طريق التأكيد الرسمي بأن الشباب الذين تم قتلهم على يد الأجهزة الأمنية طيلة فترة حكم معمر القذافي أهدافهم تتساوى مع أهداف ثوار 17 فبراير، وبالتالي يعاملون معاملة شهداء الثورة.

ويبقى موضوع تفعيل القضاء في ليبيا هو المطلب الأبرز لكافة أبناء الشعب الليبي الذين يطالبون بتطبيق العدالة الانتقالية، والاقتصاص من المجرمين، تمهيداً للخوض في تفاصيل المصالحة الوطنية القائمة على تثبيت الحقوق أولاً والتشجيع على العفو ثانياً. خاصة وأن الليبيين المتمسكين بالشريعة الإسلامية يعلمون أنه لا يجوز لولي الدم بأن يقتص من القاتل بنفسه، بل عليه أن يُرجع ذلك إلى ولي الأمر، ما يتطلب دوراً فاعلاً للحكومة في هذا الاتجاه يحقن الدماء ويضمن حفظ السلام والأمن داخل البلاد.