عام ونصف العام هو عمر الثورة المصرية، لعب القضاء خلالها دورا فارقا بدءا من إقرار التعديلات الدستورية في مارس 2011 ومرورا بقانون العزل السياسي الذي أوقفته المحكمة الدستورية وقانون مجلسي الشعب والشورى وليس ختاما بالإعلان الدستوري المكمل.

موقع “مراسلون” أجرى حوارا مع الدكتور ثروت بدوي، أحد أكبر فقهاء الدستور المصري، رأى خلاله أن المجلس العسكري وإن كان جاء إلى السلطة بشكل قانوني فإنه قد ارتكب أخطاء كثيرة، أفدحها حسب قوله، “إعلان مارس الدستوري” الذي أثر على مسار العملية الديمقراطية تأثيرا سلبيا.

عام ونصف العام هو عمر الثورة المصرية، لعب القضاء خلالها دورا فارقا بدءا من إقرار التعديلات الدستورية في مارس 2011 ومرورا بقانون العزل السياسي الذي أوقفته المحكمة الدستورية وقانون مجلسي الشعب والشورى وليس ختاما بالإعلان الدستوري المكمل.

موقع “مراسلون” أجرى حوارا مع الدكتور ثروت بدوي، أحد أكبر فقهاء الدستور المصري، رأى خلاله أن المجلس العسكري وإن كان جاء إلى السلطة بشكل قانوني فإنه قد ارتكب أخطاء كثيرة، أفدحها حسب قوله، “إعلان مارس الدستوري” الذي أثر على مسار العملية الديمقراطية تأثيرا سلبيا.

الدكتور بدوي أعرب عن أمله في أن تكمل الجمعية التأسيسية الثانية عملها في كتابة الدستور، حتى ينتهي الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد حاليا.

وهنا نص الحوار:

 

س- لعبت المحكمة الدستورية دورا كبيرا خلال المرحلة الانتقالية، وكانت الورقة الرابحة في إدارة عملية التحول الديمقراطي في مصر على مدار العام السابق، لعل آخر أحكامها الهامة هو الحكم بعدم دستورية قانون العزل، وعدم دستورية القانون المنظم لانتخابات مجلس الشعب وبالتالي بطلانه. ما هو دور المحكمة الدستورية كما تراه؟

 

[ibimage==436==Small_Image==none==self==null]

الفقيه الدستوري ثروت بدوي

ج- المحكمة الدستورية مثلها مثل أي محكمة أخرى تحكم بالقانون والدستور ولا تتدخل في العمل السياسي، إلا أن الأزمة ليست في المحكمة بقدر ما تتمثل في الممارسات التي تتم بناء علي تلك الأحكام ولعل ابرزها وآخرها قرار حل مجلس الشعب.

 

س- كيف؟

 

ج- أولا ليس للمحكمة الدستورية العليا أي اختصاص في شأن حل مجلس الشعب. ودورها يقتصر فقط علي مجرد الحكم بدستورية أو عدم دستورية النص التشريعي المحال إليها، ومن ثم فان الحكم بحل مجلس الشعب لا يرتبط بالمحكمة الدستورية العليا وإنما صاحبة القرار النهائي فيه هي محكمة القضاء الإداري التابعة لمجلس الدولة التي أحالت القانون إلى المحكمة الدستورية لتبت في دستوريته. 

س- هل يعني هذا أن هناك خطأ في إجراءات إعلان حل مجلس الشعب؟

 

ج- بالطبع، فالمشير طنطاوي (رئيس المجلس العسكري) عندما أبلغ الأمانة العامة لمجلس الشعب بحله كان قد أخطأ، لأن القاعدة القانونية تقول إن إنفاذ الحكم يقتصر على منطوقه، وحكم الدستورية العليا اقتصر على الدفع بعدم دستورية القانون المنظم لانتخابات الفردي التي تشكل ثلث المجلس وليس المجلس كله.

 

س- لننتقل إلى قضية هامة وهي قضية كتابة الدستور المصري. كيف تقيم عمل الجمعية التأسيسية الثانية لصياغة الدستور، بعد أن حكم القضاء الإداري ببطلان الجمعية السابقة؟

 

ج- مصر تمر بحالة ثورة وغياب مؤسسات دستورية ويجب أن ننتهي من هذه المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن. كان من اللازم أن يتم صياغة الدستور منذ الأيام الأولى للثورة. ولكن الأمور اتجهت إلى ما جرت عليه لذا فانه من اللازم الاعتراف باللجنة التأسيسية القائمة وتمكينها من الإسراع في وضع مشروع الدستور حتى يمكن إقامة نظام ديمقراطي حر، وإجراء انتخابات المؤسسات التشريعية اللازمة والتي يحددها الدستور الجديد، ويتم اختيار رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور الجديد.

 

س- هل تعتقد أن عدد الجمعية التأسيسية وهو مائة عضو، مناسب لوضع الدستور؟

 

ج- لا، أعتقد انه إذا اقتصرت اللجنة على 30 عضوا فقط فسيكون ذلك أفضل بكثير.

 

س- ما هي إذن أهم المعايير التي يجب مراعاتها في تشكيل الجمعية التأسيسية؟

 

ج- يجب أن نعي جيدا أن الديمقراطية لا تقوم إلا على أساس المساواة بين جميع المواطنين باختلاف أجناسهم وأعراقهم وديانتهم ومن ثم فانه لا يجوز أبدا أن يكون المعيار فئويا أو طائفيا أو دينيا. والأصل في ذلك الشأن أن يكون اختيار أعضاء التأسيسية بالانتخاب المباشر من الشعب بغرض وضع الدستور فقط، شريطة ألا يتولى أي من أعضاء التأسيسية مهاما أو مناصب في الدولة لمدة خمس سنوات من وضع الدستور.

 

س- أجلت محكمة القضاء الإداري النطق بالحكم في الجمعية التأسيسية الثانية فهل ترى أن هناك احتمالا لأن تلقى التأسيسية الثانية مصير التأسيسية الأولى؟

 

ج- أرى أن قرار القضاء الإداري بتأجيل الحكم مناسب للوضع الذي نمر به، خاصة وأنه يعني أن هناك فرصة مناسبة لإعداد مشروع الدستور والانتهاء منه قبل إصدار الحكم ومن ثم إعلانه للاستفتاء الشعبي وهو ما يكسبه شرعية.

 

س- قبيل ساعات قليلة من إعلان الفائز برئاسة الجمهورية أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا. كيف تراه؟

 

ج- الإعلان الدستوري المكمل سقطة من المجلس العسكري، وسقطة لكل من شارك في صياغته، وإساءة بالغة إلى مصر وإلى الشعب المصري العظيم، بل وإلى القوات المسلحة، لإنه يفترض أن الشعب المصري قطيع من الأغنام يساق كما يريد له حكامه. وهو ما يعني إهانة الشعب المصري. 

 

س- كيف تفسر ذلك الإعلان؟

 

ج- الإعلان الدستوري المكمل جاء لتقييد أي سلطة مدنية منتخبة وصدر لقتل أي محاولة لإقامة نظام ديمقراطي، وأسس لنظام فريد من نوعه يقوم على وجود سلطة عليا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على كل الشعب المصري ومؤسساته ورئيسه وهو أمر غير مقبول علي وجه الإطلاق.

 

س- هل يعني إذن قسم الرئيس المصري الجديد محمد مرسي أمام المحكمة الدستورية العليا قبولا بالإعلان الدستوري المكمل والوضع الذي نتج عنه؟

 

ج- حلف اليمين أمام الدستورية العليا من قبل الدكتور محمد مرسي لا يعني اعترافا بالإعلان الدستوري المكمل علي وجه الإطلاق. فالرئيس كان واضحا من البداية واعلن عن رفضه للإعلان جملة وتفصيلا، إضافة إلى أنه حلف اليمين أمام الشعب المصري كله بميدان التحرير ليحتمي بشرعية شعبية. الاعلان الدستوري المكمل معدوم الأثر لإنه صدر ممن لا يملك، وتضمن أحكاما تعني إنهاء السيادة المصرية علي أراضي مصر ووضع أعضاء المجلس الأعلى للجيش بأسمائهم وأشخاصهم فوق الدولة وفوق جميع أجهزتها.

 

س- لنعد قليلا إلى لحظة سابقة، لكنها مفصلية، وهي لحظة تنحي مبارك. هل ترى أن تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد كان قانونيا؟

 

ج- بالطبع ، فالموظف الفعلي هو من يحل محل الموظف الرسمي في حال فراغ مكانه. المجلس العسكري تولى الحكم دون سند شرعي أو ثوري، لكنه عمليا تولي إدارة شئون البلاد، فأصبح حكومة فعلية تدير الحكم وليس حكومة شرعية.

 

س- المجلس العسكري كان يقوم إذن بدور الموظف الفعلي وهو أمر قانوني. فهل مارس صلاحيات تتناسب وهذا الدور؟

 

ج- العسكري مارس الكثير من الأخطاء، لانه كان خاضعا لضغوط مختلفة، فمن ناحية الضغوط الخارجية ومن جانب آخر ضغوط الثوار، وعلى جانب ثالث فلول النظام القديم الذي يتشبثون به والذين ليس من مصلحتهم إقامة نظام ديمقراطي قادر على تحقيق مطالب الثورة. وهو ما جعل المجلس العسكري متأرجح في مواقفه.

 

س- هل واجه العسكري ضغوط من داخل المؤسسة العسكرية؟

 

ج- هناك بعض من كبار ضباط الجيش المتقاعدين لهم مصالح تتعارض ومصالح الثورة ويقال إنهم قاموا بضغوط كثيرة من أجل عدم انحياز العسكري للثورة، إضافة إلى عدم رضا الكثير من ضباط وجنود الجيش عن بعض الممارسات ضد الثوار في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وكشوف العذرية وغيرها. فضلا عن أن بعض قيادات القوات المسلحة لا يرضون أن يتنازلوا عن المكاسب التي حصلوا عليها في ظل نظام مبارك.

 

س- ما هي هذه المكاسب؟

 

ج- الجيش يتملك كل صحراء مصر وهناك آلاف المصانع التابعة له.

 

س- ما هي أكبر أخطاء المجلس العسكري في إدارته للمرحلة الانتقالية؟

 

ج- أرى أن أكبر وأكثر الأخطاء تأثيرا وفداحة على مسار المرحلة الانتقالية هو التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في مارس (آذار) 2011.

 

س- لماذا؟

 

ج- لانه بهذا الإعلان الدستوري ضلل الشعب المصري واشترك معه في ذلك بعض قيادات الإخوان وصوروا للشعب انه مجرد تعديل في بعض مواد دستور 71، إلا أنه كان في الحقيقة أمرا ممنهجا لتعطيل سير المرحلة الانتقالية وتعطيل لتنفيذ العملية الديمقراطية.

 

س- انقسمت القوي السياسية آنذاك ما بين معسكرين أحداهما يدافع عن إعداد الدستور قبل الانتخابات والآخر يرى العكس، أين كنت تقف في ذلك الوقت؟

 

ج- بالطبع كنت أقف في خندق الدستور قبل الانتخابات، خاصة وأنه لا يمكن منطقيا أن يولد الأب قبل الابن، وان الدستور هو الأب الذي يكون علي شاكلته الابن. وهو ما ثبت صحته فيما بعد، حيث انتجت التعديلات الدستورية مزيدا من التعطل في إدارة المرحلة الانتقالية، وتم إرجاء التحول الديمقراطي لشهور طويلة مما حال دون تحقيق أهداف الثورة التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة الراهنة.

 

س- ما هو النظام السياسي الأنسب من وجهة نظرك لمصر؟

 

ج- أرى أن النظام البرلماني أكثر النظم السياسية تناسبا مع مصر خلال الفترة الراهنة، شريطة أن يمنح الرئيس بعض الاختصاصات الحكومية أو التنفيذية العليا، وتقديم تقرير مسئولية الرئيس أمام البرلمان أو محكمة عليا تنشأ خصيصا لمحاسبة رئيس الدولة وللرقابة علي دستورية القوانين وأن تتكون تلك المحكمة من كبار المستشارين من محكمة النقض ومجلس الدولة والاستئناف بناء علي ترشيح جمعياتهم العمومية وليست بناء علي قرار من الرئيس.