عليها الآن أن تستيقظ باكرا وتقرأ صفحة المحليّات في أكثر من جريدة يومية. أن تراجع مع رشفات ساحنة من القهوة كومات من الأوراق والملفات والمخاطبات الرسمية. أن تنشغل بسيناريوهات الحكم عن الفن والتمثيل والضوء والكتابة. مع ذلك لا شيء يعكّر ابتسامة المخرجة سلمى بكار، “لقد سبق ومارستُ الكثير من السياسة في السنوات الماضية لكن من وراء عدسة الكاميرا” تقول لـ “مراسلون”.

في 23 تشرين أول (أكتوبر) العام الماضي دخلت المرأة الستينية عالما بدا متشابكا على كل التونسيين. دخلته من من الباب الكبير، باب المجلس التأسيسي، بعد أول انتخابات شفافة تشهدها بلدها بمعيّة ما يفوق المئة الحزب.

عليها الآن أن تستيقظ باكرا وتقرأ صفحة المحليّات في أكثر من جريدة يومية. أن تراجع مع رشفات ساحنة من القهوة كومات من الأوراق والملفات والمخاطبات الرسمية. أن تنشغل بسيناريوهات الحكم عن الفن والتمثيل والضوء والكتابة. مع ذلك لا شيء يعكّر ابتسامة المخرجة سلمى بكار، “لقد سبق ومارستُ الكثير من السياسة في السنوات الماضية لكن من وراء عدسة الكاميرا” تقول لـ “مراسلون”.

في 23 تشرين أول (أكتوبر) العام الماضي دخلت المرأة الستينية عالما بدا متشابكا على كل التونسيين. دخلته من من الباب الكبير، باب المجلس التأسيسي، بعد أول انتخابات شفافة تشهدها بلدها بمعيّة ما يفوق المئة الحزب.

بالنسبة لسلمى بكار، الفارق بين وقوفها خلف الكاميرا أو تحت قبّة المجلس يكمن فقط “في زاوية الرؤية”، “فالسينما حمّالة لهموم الشعوب، والسياسة هي الفعل المباشر لمعالجة هذه الهموم”.

أول منتجة

ولدت بكار سنة 1945 في تونس العاصمة لعائلة تحتفظ بتقاليد برجوازيات المدينة. الطفلة التي أبدت توقا نحو الفن السابع تخرّجت من المعهد الفرنسي للسينما لتعمل في التلفزيون الوطني مخرجة مساعدة في العديد من الأفلام والمسلسلات. لكن ومنذ فيلمها “العبور” (1982) مرورا بـ “الزازوات” و”السامة” و”نغم الناعورة” برزت كمناضلة شرسة ضد تابوهات المجتمع والسلطة على حد سواء، وكمجادلة في أفكاراً بدت قبلها غائبة أو مسكوت عنها في الشاشة الكبيرة.

حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والمساواة في الميراث وتطبيع علاقة النساء مع الجنس وترسيم الحدود مع الدين وهواجس الأقليات كلها اسئلة شغلت رأس المرأة التي لا تركن للسكون.

[ibimage==502==Small_Image==none==self==null]

المخرجة السينمائية سلمى بكار

في مطلع التسعينات اسست شركة انتاج أصبحت معها اول منتجة سينمائية في تونس. الشركة مكّنتها من إخراج “رقصة النار” (1995) الذي يعرض جزءً من حياة الفنانة التونسية ذات الأصول اليهودية حبيبة مسيكة، و”الخشخاش” (2005) الذي يروي قصة امرأة مدمنة بسبب مشاكل اجتماعية وجنسية، فضلا عن عدة أعمال درامية اجتماعية.

“أليس هذا كله سياسة؟”، تسأل بنبرة من يعلم الاجابة سلفا.

 

كارهي سلمى بكّار”

 

زارت بكار في ربيع 2011 مخيم الشوشة للاجئين في الجنوب التونسي الذي أعِد لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الليبيين الهاربين من لهيب المعارك ضد نظام القذافي، وكانت تعرض للأسر الناجية أفلاما من انتاجها. في تلك الزيارة استفزتها فئة من “كهنة الحقيقة” الذين يتحدثون باسم الدين.

تقول “رفضوا وجودي واعتبروا أن أولئك ليسوا بحاجة إلى الأفلام بل إلى الأكل والشرب والأغطية”. كانت تلك لحظة فارقة في حياتها، “لحظة حرّكت لديّ الرغبة في الفعل السّياسي”.

بعد أن نجحت في الانتخابات عن حركة التجديد (وسط اليسار) – الحزب الذي قالت انه يتماشى وقناعاتها السياسية- حافظت في اورقته على منسوب الجرأة نفسه الذي اعتاد عليه مشاهدو أفلامها. استقبلت الناس وكانت تستمع إليهم بأذن الفنان وتنقل مشاغلهم بحنكة السّياسي. هكذا يقول محبوها.

لكن ماذا عن الذين خصصوا صفحة على شبكة الفيسبوك، لـ “كارهي سلمى بكار”؟

تقول السينمائية المخضرمة أن تصريحاتها لم تتوقف يوما عن تحريك المياة الراكدة في المجتمع التونسي. حرية المرأة الجنسية خارج إطار الزواج ورفضها أن تعامل بشكل دوني او النظر إليها كبضاعة، واعتراضها على قوانين الإرث المجحفة والتمييز ضد الأقليات والاعتداء على الحريات الفردية، كل هذا كفيل بتكاثر جيش “الكارهين”.

لكن يبقى المشغل السياسي همها الأكبر، إذ أن ما يزعجها تحديدا هو “العنف الذي تمارسه أطراف محسوبة على الشق المتشدد من التيار الإسلامي”، دون أن تخفي اعتزازها رغم ذلك له بما تعيشه البلاد اليوم من “ثراء سياسي”.

امتحان صعب

 

غير بعيد عن عالم السياسة ترى بكار أن مسار الثورة كان مرسوما من البداية على أسس واضحة إلا انه شهد انحرافا خطيرا إثر الانتخابات الأخيرة، عبر تشكيل حكومة من أثقل الحكومات في تاريخ تونس بأكثر من أربعين وزيرا.  المسار السياسي الانتقالي حسب رأيها “كان يفترض ان يفضي لانتخاب مجلس تأسيسي يعد دستورا وحكومة مصغرة لتسيير دواليب الدولة في فترة محدودة من الزمن”.

سلمى بكار معتدّة بأصدقائها من مختلف المشارب الفكرية والسياسية، ولا تغيب عن التظاهرات الثقافية، كما أنها حريصة على أداء واجبها داخل المجلس الوطني التأسيسي الذي تعتبر انه يتقدم لكن ببطء. وتقول أن المجلس اجتاز “امتحانا صعبا” بعد تلافي نقطة أثارت جدلا واسعا وهي تضمين الشريعة الإسلامية في الدستور كمصدر للتشريع، إذ تم الاتفاق على مدنية الدولة.

أمنية وحيدة تُلازم سلمى بكار كل لحظة وهي أن تصل الثورة إلى بر الأمان بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن فيها كل الحريات وفي مقدمته حرية الإبداع، “فالسياسة مثل السينما يمكن أن نصوغ لها النهايات التي نريد”.

(الصورة مستوحاة من ملصق فيلم الخشخاش- تصميم زياد بن شيخ)