حقل زلطن – أكبر حقول شركة سرت للنفط والغاز- الذي حفرت فيه الدولة الليبية أولى آبارها المُجدية من الناحية الاقتصادية في بداية الخمسينيات، ينتج يومياً 58 ألف برميل من النفط يصاحبها 300 ألف برميل من المياه المالحة. هذه المياه يجري فصلها ثم التخلص منها بسكبها في الصحراء لتشكل مسطحات مائية واسعة.

كميات المياه تزداد بزيادة عمر الآبار النفطية. ولأن منظومات الفصل قديمة قِدم إنشاء الحقل فإن الماء غالباً ما يصاحبه النفط المهدور خلال عمليات المعالجة، ليكوّنا على مدار عقود ما يمكن تسميته نهراً من ماء مالح ونفط خام.

 

حقل زلطن – أكبر حقول شركة سرت للنفط والغاز- الذي حفرت فيه الدولة الليبية أولى آبارها المُجدية من الناحية الاقتصادية في بداية الخمسينيات، ينتج يومياً 58 ألف برميل من النفط يصاحبها 300 ألف برميل من المياه المالحة. هذه المياه يجري فصلها ثم التخلص منها بسكبها في الصحراء لتشكل مسطحات مائية واسعة.

كميات المياه تزداد بزيادة عمر الآبار النفطية. ولأن منظومات الفصل قديمة قِدم إنشاء الحقل فإن الماء غالباً ما يصاحبه النفط المهدور خلال عمليات المعالجة، ليكوّنا على مدار عقود ما يمكن تسميته نهراً من ماء مالح ونفط خام.

 

أشجار النخيل تذبل

 

الوضع يبدو أكثر تعقيدا في الحقول المجاورة للتجمعات السكانية، كحقل النافورة الذي يقع بين مدن الواحات الثلاث جالو، اجخرة وأوجلة. تلك الحقول تبعد عن مدينة اجخرة مسافة 15 كيلومتراً، وهناك يترتب عن عمليات معالجة النفط المنتج بالحقل من ثماني محطات رئيسية عدد من هذه البحيرات التي يصنعها البشر بأيديهم.

الصعيدي، الدقله، رطاب الوادي، جدغ، تدس، تسيلو ونكفوش، أسماء لأصناف من التمور تنتجها مدن الواحات الثلاث ويتم تسويقها داخل البلاد لتسد حاجة المواطنين فيما يزرع أهالي جالو كميات من الطماطم تغطي جزءاً من حاجة السوق خلال فترة الشتاء. ويؤكد نشطاء بيئيون تضرر هذه المحاصيل جراء وجود بحيرات المياه المصرفة.

[ibimage==496==Small_Image==none==self==null]

بحيرة حقل زلطن

“لقد تأثرت التمور جراء نفاق الطيور التي تُخلص النخيل من الحشرات ما يعتبر إخلالا بالتوازن البيئي”، يقول الناشط البيئي أحمد حسن القاطن بمدينة اجخرة، مضيفاً أن البحيرات تحمل الملوثات التي تنتقل في التربة ويُخشى من وصولها إلى المياه الجوفية المستخدمة في منطقة الواحات.

ويطالب أحمد حسن بأن تُستخدم طرق آمنة عند حفر أبار جديدة من قبيل استرجاع النفط المتسرب مع المياه المصاحبة وحقن هذه المياه في باطن الأرض وكشط الأملاح. ويضيف “يجب على المؤسسة الوطنية للنفط أن تفرض ضرائب على الشركات المخالفة وإعطاء حوافز للإدارات التي تحافظ على البيئة، وأن يتضمن الدستور الليبي الجديد ما يضمن حماية البيئة”.

 

سحابات سوداء

 

كل صباح يرتدي عبد الله الغندور بدلة العمل ويغادر جالو قاصداً حقل النافورة، فهو مهندس  يقطن بالمدينة ويعمل بالحقل منذ احد عشرة سنة. 

الغندور أب لطفلين ويملك مزرعة نخيل قريبة من الحقل، ويذكر أن والده دائماً ما كرر على مسامعه “لقد تغير لون التمر ولم يعد يلمع كالذهب”، مضيفاً أن حبات التمر صارت أكثر ضموراً وذبولاً وغالباً ما تأثر الموسم بأكمله.

تجاوزات الشركات المنتجة للنفط  تتعدى ذلك بحسب الغندور، فهي تحرق الغازات السامة لتكون سحباً اعتاد هو وأقرانه أن يروها تغطي سماء المنطقة في انتظار بعض المطر ليصفي الأجواء.

ويذكر أنه شاهد بنفسه حافلة تقل طالبات بمدينة اجخرة – حيث حفرت شركة “وينتر شل الالمانية” أباراً وسط المزارع – مسرعة نحو المشفى نتيجة حدوث حالات إغماء بين الطالبات، والسبب كما قال الطبيب “استنشاق غاز ثاني كبريت الهيدروجين” .

 

“اجعلونا مثل تكساس”

 

قبل عدة سنوات قامت شركة “وينتر شل” الالمانية بعمليات استكشاف وتنقيب داخل ما يعرف بالحزام الأخضر لمدينة جالو حيث توجد مزارع النخيل، وتصدى لها بعض الشباب وأعاقوا عملها، فتدخل جنود جهاز حماية المنشات النفطية وجرى إطلاق نار توفي على إثره احد الشباب.

عندها نصب أهل المدينة ولمدة تزيد عن الشهر خيمة عزاء في المكان الذي قتل فيه الشاب، وخشي نظام القذافي تدهور الأوضاع، فأرسل وفداً رسمياً يرأسه رئيس الوزراء السابق “البغدادي المحمودي” لاحتواء الموقف.

يروي الغندور أن البغدادي قال للحاضرين “ما المانع من حفر آبار في المدن؟ في تكساس الأمريكية توجد الآبار قرب المنازل”. عندها رد عليه أحد الشيوخ بالقول “اجعلوا مدينتنا مثل تكساس ثم احفروا أباراً بطرق آمنة وحديثة”.

 

“بدأنا اجتماعاتنا”

 

وإذ ترتفع أسعار النفط ويزداد الإنتاج الليبي ليقارب المليون ونصف المليون برميل يومياً، فإن روايات تتحدث عن حالات عقم وتشوهات لدى بعض المواليد الجدد، لكن يصعب توثيقها في غياب تقارير رسمية في بلد خرج لتوه من أتون حقبة تكميم الأفواه.

يقول الناشط البيئي أحمد حسن لا توجد لدينا تقارير رسمية كما لا توجد إحصائيات عن حالات العقم في المدن الأخرى لتتم المقارنة بها، مضيفا “لقد أسسنا للتو جمعية لحماية البيئة وبدأنا اجتماعاتنا”.

وفيما تبقى الأمور حتى الآن على حالها يواصل الغندور عمله بين حقل النفط وحقل النخيل على أمل أن يأتي يوم يعيش فيه طفلاه “آية وعوض” في بيئة لا تهجرها الطيور ولا تظللها سحابات سوداء.