التونسيون اليوم أحرار. والإعلام التونسي لا يخضع لأية رقابة كما هو الشأن زمن الدكتاتور بن علي. تنتقد وسائل الإعلام التونسية يوميا أداء الحكومة. وتتحدث من حين لآخر عن فساد رجال الأعمال وفساد أجهزة الدولة، وعن سوء التصرف في طاقم رئيس الجمهورية. كما يفتح القضاء من حين لآخر ملفات فساد و انتهاكات لحقوق الإنسان. كل ذلك كان يعتبر قبل سنة ونصف حلما صعب التحقيق.

التونسيون اليوم أحرار. والإعلام التونسي لا يخضع لأية رقابة كما هو الشأن زمن الدكتاتور بن علي. تنتقد وسائل الإعلام التونسية يوميا أداء الحكومة. وتتحدث من حين لآخر عن فساد رجال الأعمال وفساد أجهزة الدولة، وعن سوء التصرف في طاقم رئيس الجمهورية. كما يفتح القضاء من حين لآخر ملفات فساد و انتهاكات لحقوق الإنسان. كل ذلك كان يعتبر قبل سنة ونصف حلما صعب التحقيق.

بعد سنة ونصف من عمر الثورة التونسية ( 14 كانون ثاني/ يناير 2011)، تقول الحكومة إنها حققت الكثير من الإنجازات، مثل التقدم في وضع  دستور جديد يضمن الحقوق والحريات، والاستعداد لإنجاز أول انتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية، وإعادة الروح لاقتصاد كان شبه معطل وتحقيق الاستقرار الأمني.

ويردد المتفائلون بكل ثقة، أن مسار الثورة التونسية هو الأفضل مقارنة ببقية الثورات العربية التي تعيش مشاكل حقيقية. وأن الإنتقال الديمقراطي في تونس، هو في طور الإنجاز. ويعتبرون أن التعثر والصعوبات التي تحدث من حين لآخر، مثل بعض الإنفلاتات الأمنية والتوترات الإجتماعية يجب تفهمها ووضعها في سياقها الطبيعي، سياق بلد بصدد إعادة البناء.

في الحقيقة، إن الانتكاسات التي عرفها مسار الثورة التونسية في عام ونصف، تتجاوز كونها صعوبات ظرفية. والحكومة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي، ترتكب أخطاء جسيمة قد تنسف أهداف الثورة وتهدد قيام دولة مدنية ديمقراطية.

فوز حركة النهضة الإسلامية في انتخابات المجلس التأسيسي في تشرين أول /أكتوبر 2011 وتشكيلها حكومة تسيطر على غالبيتها وفّر تربة خصبة لنمو الجماعات الدينية المتطرفة، وعودة بعض العناصر التي كانت تنشط مع تنظيم القاعدة في مناطق متفرقة من العالم.

كما ان الاموال المتأتية من بلدان الخليج النفطية ساعدت تلك المجموعات على التموقع داخل الدولة، ككيانات غريبة عنها ومتعايشة معها في نفس الوقت. فتمركزت المجموعات السلفية، أساسا، في الأحياء والمدن الفقيرة التي توجد بها نسب بطالة وفقر مرتفعة.

هذه المجموعات برزت في الفترة الأخيرة كتهديد لحرية الصحافة وللحريات العامة. ففي أكتوبر2011 عمدت مجموعات من الملتحين تطلق على نفسها تسمية التيار السلفي، إلى مهاجمة منزل مدير “قناة نسمة” التلفزية الخاصة وحاولت حرقه، وذلك على خلفية بث هذه القناة لفيلم كرتوني فرنسي إيراني “برسيبوليس” رأت فيه تعدّيا على الذات الإلهية.

وفي منتصف شهر حزيران/ يونيو 2012 اضطرت الحكومة إلى غلق معرض للفن التشكيلي بقصر العبدلية بتونس العاصمة بعد احتجاجات سلفية على بعض الرسوم التي اعتبرت مسيئة للإسلام. و توسعت الاحتجاجات إلى درجة إعلان حالة الطوارئ في البلاد.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شن متطرفون هجومات عبر المواقع الإجتماعية على الإنترنت، تستهدف الفنانين والصحفيين وبعض السياسيين وتتهمهم بالكفر وتدعو إلى قتلهم. وطالت التهديدات بشكل خاص عناصر نسائية ناشطة في المجتمع المدني ومدافعات عن قضايا المرأة.

ما ساهم في تغول هذه الجماعات وتماديها في عدم احترام القانون وتهديدها للحريات، هو صمت الحكومة وعدم الصرامة معها نتيجة الحسابات الانتخابية خاصة من قبل حزب النهضة الإسلامي، الذي يعتبر هذه القوة مخزونا انتخابيا هاما بالنسبة إليه.

لعل ذلك ما يفسر مماطلة الحكومة في تفعيل الهيئة الوطنية المستقلة التي ستشرف على الانتخابات، وتسعى جديا لإحداث هيئة بديلة تكون تابعة لها، بما يضمن بقاءها في السلطة.

ولا تقتصر عملية تعثر الإصلاح وإنشاء الهيئات المستقلة التي تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي عند هذا الحد، بل طالت السلطة الثالثة أيضا. فبعد عام ونصف من الثورة مازال الفساد ينخر جهاز القضاء، فهو لم يتخلص نهائيا من تدخل السلطة التنفيذية. إذ تواصل الحكومة تلكؤها في بعث هيئة مستقلة للقضاء تعوض المجلس الأعلى للقضاء الذي وضعه بن علي وكان يترأسه، وتؤجل بذلك توفير الضمانات لقضاء مستقل، يكون أحد ركائز الدولة الديمقراطية.

ومن بين أهم هذه الركائز أيضا هو وجود مؤسسات إعلامية عمومية وهيئات تعديلية مستقلة. رغم هامش الحرية غير المسبوق، الذي تتمتع به الصحافة التونسية حاليا، فهو في نظر كثير من الصحفيين مجرد فسحة قد تنتهي في أي وقت، طالما أن هذه الحرية لا تستند إلى أي ضمانات تشريعية تحمي الصحفيين وتضمن استقلالية وسائل الإعلام.

و رفضت الحكومة الحالية تفعيل قانونين (المرسوم 115 و المرسوم 116، الأول يتعلق بحرية الطباعة والنشر والصحافة، والثاني يتعلق بحرية الإتصال السمعي البصري وإنشاء هيئة تعديلية له).

وقد عمقت بعض الأحداث هذه المخاوف بشأن حرية الإعلام، حيث سجن في شباط (فبراير) 2012 رئيس تحرير صحيفة “التونسية” لنشره صورة امرأة شبه عارية على الصفحة الأولى. ولتبرير سجن الصحفي استند القضاء إلى قانون الصحافة في عهد بن علي، والأخير كان من المفترض أن يكون قد ألغي بموجب المرسوم 115.  

في الشهر الماضي، صدر ايضا حكم بالسجن لسبع سنوات على شاب بتهمة رسم كاريكاتور اعتبر مسيئا للنبي  محمد. وذلك في مناخ يشهد تنامي المد الديني المتطرف وانتشار حالة من الترهيب ضد كل من يتعرض للمسائل الدينية بالنقد.

وفي خضم هذه الأجواء تسعى الحكومة الى الاستفادة من كل ما يجري لتحويل الأنظار وإلهاء الرأي العام بقضايا مفتعلة لا علاقة لها بالقضايا الجوهرية التي قامت من اجلها الثورة.

فقد انتفض آلاف الشبان في شتاء 2010 من أجل المطالبة بفرص عمل إضافية تمكن من الحياة بكرامة، ومحاربة الرشوة والفساد. ورفعوا شعارات تندد بالمحسوبية والوساطات، وتطالب بالكف عن خنق الإبداع وتكميم الأفواه وضمان الحريات وخاصة حرية الرأي والتعبير. وهو ما لم يتحقق في نظر الآلاف من الشباب التونسي.

وتردد الحكومة وخاصة حزب النهضة الإسلامي، أن البلاد تسير بخطى بطيئة ولكنها ثابتة لتحقيق هذه الأهداف إنشاء دولة مدنية ديمقراطية. لكن التهديدات بالإنحراف نحو دولة دينية استبدادية، هي حقيقة قائمة، تجعل عملية السير هذه محفوفة بمخاطر أو هو كما السير على حافة الهاوية.

 

 

*ناجي البغوري رئيس تحرير القسم التونسي في موقع “مراسلون”