صرخة العويني بقيت من أكثر اللحظات القوية في الثورة التونسية، ليصبح تسجيل “بن علي هرب” الذي لا يتجاوز الثلاث دقائق من أكثر لقطات الفيديو مشاهدة في المنطقة العربية. لم يتخل العويني بعد عن حلمه في أن يتخلص التونسيين نهائيا من الظلم والاستبداد. وهو يرى أن المسار الثوري يشهد محاولة تحويل وجهته، وفي هذا الحوار يتعرض إلى رهانات المرحلة الانتقالية ومخاطرها.

 

وهنا نص المقابلة:

 

س- مرت سنة وأربعة أشهر على قولتك الشهيرة “بن علي هرب” فكيف تقيم الأوضاع الآن في تونس؟

صرخة العويني بقيت من أكثر اللحظات القوية في الثورة التونسية، ليصبح تسجيل “بن علي هرب” الذي لا يتجاوز الثلاث دقائق من أكثر لقطات الفيديو مشاهدة في المنطقة العربية. لم يتخل العويني بعد عن حلمه في أن يتخلص التونسيين نهائيا من الظلم والاستبداد. وهو يرى أن المسار الثوري يشهد محاولة تحويل وجهته، وفي هذا الحوار يتعرض إلى رهانات المرحلة الانتقالية ومخاطرها.

 

وهنا نص المقابلة:

 

س- مرت سنة وأربعة أشهر على قولتك الشهيرة “بن علي هرب” فكيف تقيم الأوضاع الآن في تونس؟

 

ج- هناك انتكاسة سياسية وأنا أعربت سابقا عن اعتقادي في أن معركة التحرر انطلقت يوم 14 كانون ثاني (يناير) 2011 ولازلت كذلك. مازلنا إلى اليوم نواجه إشكالية تتمثل في أن المزاج العام في واد وتشكل المشهد السياسي في واد أخر. هذا المشهد يبتعد تدريجيا عن مسار الثورة وأهدافها وطموحاتها.

 

س- كيف نبتعد عن مسار الثورة وأهدافها؟

 

ج- مكونات المشهد السياسي الموجودة على الساحة اليوم لا علاقة لها بمشاغل الناس، خصوصا وان المشهد ككل يعانى من الارتباك. فعلى المستوى الحكومي هناك ارتجالية في العمل واخذ القرارات، هذا بالإضافة إلى الضعف البارز في أداء المجلس الوطني التأسيسي، الذي تم انتخابه في 23 تشرين أول (أكتوبر) 2011، فهو لم يشرع إلى حدّ الآن في القيام بدوره الرئيسي بصياغة دستور يستجيب لأهداف الثورة. أضف إلى ذلك ان المجلس  لم يمارس وظيفته الرقابية على الحكومة، رغم احتواء تركيبته على عدد من الكفاءات المحترمة. أما على في جانب المعارضة، فان الساحة السياسية تشهد محاولات إعادة تشكيل تتجه في المسار الخاطئ ولا تقدم إجابات لانتظارات الناس.

 

س- لكن السياسيون يشدّدون على أن رهانات المرحلة الانتقالية قيد الانجاز؟

 

ج- الرهان اليوم ليس سياسيا فقط، فالحريات العامة والسياسية تظل مرتبطة بتطور الذهنية السياسية وتخليص العمل السياسي من الشوائب. هذه إحدى رهانات هذه المرحلة لكنها تظل منقوصة إن لم يتحقق لها شروط الانجاز ومن أهمها التوازن الاقتصادي.

إن غياب أية  مكاسب اقتصادية واجتماعية لشعب ناضل من أجل حياة كريمة وضد التهميش والإقصاء في عهد بن علي، يجعل من التطور السياسي “ديكورا”.

 

س- إذن أنت تتبنى طرح المعارضة؟

 

ج- أنا لست معارضا وإنما انتمي إلى تيار المقاومة، ويحق لي أن انتقد الحكومة أو غيرها فهذا شان عام ولا يحق لأحد مصادرته، لكني في المقابل لا أريد أن يقدم هذا على انه بحث عن تسجيل نقاط ضائعة ضد الحكومة فنقدي لها مبني على مقاربة منهجية.

 

س- لنعد إلى انتمائك إلى ما أسميته بالمقاومة، لماذا هذا الاختيار؟

 

ج- انا مقاوم لاني مؤمن بان المسار السياسي اليوم في تونس متعارض مع المسار الثوري. هناك محاولات لإفراغ المسار الثوري من مضمونه وهو ما دفعني إلى أن انخرط في تيار المقاومة والعمل الميداني المقاوم لهذا النسق السياسي الراهن.

 

س- لكنك ترشحت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي؟

 

ج- ترشحت لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي لان هذا المجلس كان مطلب الثوار في القصبة 2 [اعتصام أمام مقر الحكومة بحيّ القصبة أثناء رئاسة محمد الغنوشي للحكومة الأولى بعد بن علي، وطالب المعتصمون آنذاك بمجلس تأسيسي]. وانا دافعت عن هذا المطلب فلا يعقل ان أنادى بانتخاب المجلس التأسيسي ولا أترشح فانا لست مصاب بـ “الفصام” لأناقض ما ادعوا إليه.

 

س- هلا قيمت لنا هذه التجربة؟

 

ج- لقد عملت حكومة الباجي قائد السبسي و”الهيئة المستقلة لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي” على إقصاء “الثوريين” وذلك بصياغة قانون انتخابي على قياس القوى اليمينية التي لم تشارك في الثورة . حيث لم يتطرق هذا القانون لعدة نقاط هامة منها تمويل الأحزاب وكيفية التعاطي مع التجاوزات التي ارتكبتها هذه الأحزاب في الانتخابات من شراء للأصوات وتشويه للخصوم، كل هذه الهنّات تسببت في إقصاء عدد من الشخصيات الوطنية المناضلة التي ساهمت في الثورة.

 

س- هناك انتقادات توجه إليكم وغيركم من المناضلين لغيابكم عن الساحة وتركها للفراغ. لماذا لم تلتحق بأحد الأحزاب؟

 

ج- أنا يساري ولا أفضل أن ابقي مستقلا، وكذلك لا أريد أن انخرط في الحوانيت السياسية لعائلة اليسار، فانا أؤمن أن الوقت قد حان لتكوين جبهة وطنية تقدمية تتحمل دورها في الدفاع عن الشعب وحقه في العيش الكريم والسعادة وهذا ما ينبغي أن يدركه اليساريون وان يبادروا بتطوير مقولاتهم السابقة وان يتخلصوا من أزمة الزعامة.

 

س- ما هي المخاطر التي تهدد الانتقال الديمقراطي في تونس؟

 

ج- كل ماهو موجود يهدّد الانتقال الديمقراطي فالصراع اليوم بين رؤيتين، الأولى تؤمن أن الانتقال يجب أن يتم صوب النسق الثوري والثانية تريد أن يتم الانتقال  بمعزل عن المسار الثوري ليحافظ أصحابها على مصالحهم دون تحقيق الشعارات التي رفعتها الثورة وفي مقدمتها المواطنة والكرامة.

 

س- إذن ما هي شروط نجاح الانتقال؟

 

ج- هناك شروط اقتصادية واجتماعية، ففي الجانب الاقتصادي لابد للدولة أن تستعيد دورها الاقتصادي وتطلع بمهمتها في خلق آليات تدخّل عاجلة في المناطق الفقيرة وذات الأولوية التي انطلقت منها شرارة الثورة. وفي الجانب السياسي لابد من ضمان استقلال القضاء نهائيا من هيمنة السلطة التنفيذية. كما يجب أن تفعل الهيئة العليا للانتخابات (وهي الهيئة التي أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر  الماضي). كما يجب إقرار مبدأ الديمقراطية المحلية.